الخميس، 16 أغسطس 2018

ملخص مبسط لكتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج١


حسنا، سأعترف لكم، لم يكن يدور في ذهني أبدا أن أجد كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام تأليف أ.د. علي سامي النشار – نشر دار السلام – بهذا العمق الفلسفي الصاخب. إنه مثل موج البحر وسط عاصفة رهيبة.
وأول ما اقتلعت هذه العاصفة العاتية فكرة فلاسفة الإسلام الكندي وابن سيناء والفارابي و ابن رشد، فاعترف لهم مؤلف الكتاب أنهم فلاسفة مسلمون، لكنهم لا يمثلون الفلسفة الإسلامية الحقة، بل فلسفتهم فلاسفة يونانية في كلياتها وجزئياتها ومزيج من الأرسططالية والأفلاطونية المحدثة كما يقول.
وكانت قاعدته الأساسية التي ارتكز عليها في تعريف أي فلسفة هي أن ”الفلسفة في أية أمة من الأمم هي انبعاث داخلي يعبر عن الروح الحضاري لهذه الأمة“.
ومن المعلوم أن علماء الإسلام حاربوا المتفلسفة المسلمين واتهموهم بالكفر والزندقة، بالرغم من محاولتهم تقريب وموائمة الفكر الفلسفي الإغريقي واليوناني مع الشريعة الإسلامية.
وبناء على هذا، فهو يعتبر علم الكلام الإسلامي هي فلسفة الإسلام بالمعني الحديث لكلمة الفلسفة. لذا حصر الكلام على نشأة هذه الفلسفة منذ القرن الأول وحتى القرن الثالث في هذا الجزء من الكتاب. وهذه خلاصة الباب الأول من الكتاب.
في الباب الثاني تكلم عن العوامل الخارجية والعوامل الداخلية التي أثرت على نشأة الفلسفة الإسلامية، ومن بينها أثر اليهودية في إدخال التشبيه والتجسيم في علم الكلام الإسلامي،
والصراع الدائر بين علماء المسلمين وعلماء النصارى حول الألوهية والتثليث والأقانيم.
ثم تكلم في فصل مطول حول تأثير الفلسفة اليونانية وطريقة انتقالها إلى العالم الإسلامي، ثم تكلم عن المدارس الطبيعية وعلمائها من مثل طاليس وأنكسمندريس والمدرسة الفيثاغورية وأهم آرائها والمدرسة الإيلية ومدرسة التغير هرقليطس ثم عرج على الطبيعيين المتأخرين من أمثال أنبادوقليس وأنكساغوراس ولوقيبوس ويموقريطس ثم عرج على المدرسة السوفسطائية والمدرسة التصورية المثالية: سقراط وأفلاطون وأرسطو ثم المدرسة اللذية وعميدها أبيقور والمدرسة الرواقية ووالشكاك التجريبيين وأخيرا الأفلاطونية المحدثة.
وخلال هذا الفصل الطويل (ما يقارب ١٠٠صفحة) حاول المؤلف بذل كل طاقته لنفي تأثير الفلسفة اليونانية على الفلسفة الإسلامية الحقيقية لأن منبع كل منهما مختلف فالأولى مادية والثانية موحدة.
وهنا أقتبس هذه الجملة من الكتاب: ”إن الفلسفة الإسلامية هي شيء أعظم بكثير وأشد نضوجا من هذه الفلسفة السابقة، هي فلسفة كاملة في تعبيرها عن الإسلام الحقيقي ، وأهلها مسلمون روحا وجسدا. إن هذه الفلسفة – فلسفة المتكلمين من أشاعرة وماتريدية ومعتزلة وشيعة معتدلة، وصوفية أخلاقية سنية – هذه الفلسفة الإسلامية لم تقبل فلسفة اليونان، بل لفظتها، أما هذا النموذج المصبوغ بصبغات اليونان والفرس وبصبغة الغنوص، فليس هو أبدا فلسفة إسلامية، من يجرؤ على القول أن الفارابي كان فيلسوف الإسلام؟! أو أن ابن سينا يمثل الفلسفة الإسلامية في شيء؟!“ (ج١/ ١٩٣)
ثم انتقل إلى تأثير الغنوصية، وعرفها بأنها التوصل بنوع من الكشف إلى المعارف العليا من دون الاستناد على الاستدلال أو البرهنة العقلية، وقد تأثرت اليهودية والنصرانية بالغنوص، ولكن الأثر الأكبر للغنوصية كان في الأديان الثنوية الفارسية من مثل كيومرث، والزروانية والزرادشية والديصانية والمانوية والمزدكية والمندائية.
وعند العرب يطلق لفظ الزندقة لكل من يؤمن بالغنوصية، فكل زنديق فهو غنوصي وأشهر ديانة للغنوصية اشتهرت بين المسلمين هي المانوية، وقد اتخذت طريق الزهد ولباس التصوف للتخفي، ولعل من أهم الغنوصيين أبو العتاهية وابن المقفع.
بعد ذلك انتقل للحديث عن الفقهاء الأربعة وعقائدهم الكلامية: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ثم عن أهل السنة الأوائل ابن كلاب والقلانسي والمحاسبي.
وبعد أن انتهى عن نشأة أهل السنة انتقل إلى نشأة الحشوية والمشبهة والمجسمة ونص أن أول من نادى بالتجسيم هو مقاتل بن سليمان ومدرسته ثم انتقل محمد بن كرام والكرامية لتنتقل فيما بعد إلى ابن تيمة والمدرسة التي تبعته إلى هذا اليوم.
هذه المدارس السابقة هي مدارس اعتمدت على النصوص في غالب الأحيان، ولكن التفكير العقلي في الإسلام بدأ مع أصحاب مذهب الإرادة الحرة وهم القدرية (مصطلح القدرية مصطلح مخادع لأنه يفهم بأن صاحبه يؤمن بالقدر والجبر، لكنه على عكس ذلك) وهذا المذهب جاء إنكارا لأفعال بني أمية الذين نشروا الجبرية بين المسلمين، وأول من نادي بالإرادة الحرة معبد الجهني وغيلان الدمشقي. في المقابل ظهرت مدرسة المجبرة الأوائل الجهمية أتباع الجعد بن درهم والجهم بن صفوان.
ويلاحظ المؤلف أن الجهم بن صفوان تناقلت آراؤه بعد تحريفها وإلزامها فوق ما تحتمل وأن غاية الجهم بن صفوان هي تنزيه الله عن التجسيم وإثبات القدرة له.
وفي الباب الأخير من الكتاب تكلم المؤلف عن المعتزلة عن أصلهم وأهم علمائهم، واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف والنظام ومعمر بن عباد السلمي.

كما تلاحظون فإن الكتاب عميق المناقشة وكثير المعلومات، ولا يمكنني تلخيصه في مقالة صغيرة، لكن حاولت قدر المستطاع تقديم صورة مبسطة حوله.

بقي أن أتكلم عن بعض سلبيات الكتاب، ولعل أولها هي تخندق المؤلف منذ البداية في خندق المذهبية، كعالم أشعري مدافع ومنافح لكل آراء الأشعرية، مقدسا كل علمائها وكتبها، حتى لو علم أن معظم كتب المقالات والملل والنحل السنية لا تنقل الصدق أو الحقيقة على الأقل.
ففي كل الكتاب تجده يقول وقد أخطأ الشهرستاني وقد جانب الصواب ابن حزم وقد تحامل الأشعري وهكذا دواليك، حتى أنه في باب المعتزلة اعتمد على آراء ابن الراوندي الملحد في نقد علماء الإسلام.
من جهة أخرى فمن المعلوم أن آراء الأشاعرة ظهرت وتبلورت مع أبي الحسن الأشعري المتوفي عام ٣٢٤هـ، بعد قرنين تقريبا من وفاة مؤسس المعتزلة واصل بن عطاء ١٣١ هـ فكيف تحاكم آراء المتقدم وفقا لآراء ومنهج المتأخر؟ هذا من الإجحاف.

وكخلاصة، الكتاب ثري بالمعلومات، والمناقشات الفلسفية العميقة، ويحتاج إلى نفس عميق للانتهاء منه، وقد أصبح أحد الكتب المعتمدة في الكثير من الجامعات في مادة العقيدة، وأنصح بقراءته لمن يحب هذا المجال.
وبقيت أمامي الجزء الثاني والثالث.

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك قراءة ممتعة في انتظار تلخيص باقي الكتاب بلهفة

    ردحذف