الجمعة، 4 أبريل 2014

قراءة تحليلية للمجموعة القصصية " ملح " وما الذي يمكننا أن نستفيده منها


بعد الضجة الكبيرة التي أحدثتها تلك الصفحات التي صورتها من مجموعة قصص " ملح " للكاتبة بدرية الإسماعيلية والتي كان الهدف منها ليس انتقاد ما تكتبه بدرية بقدر ما هو انتقاد للبرنامج الوطني لدعم الكتاب الذي يتبناه مجلس البحث العلمي ويشرف على اختيار الكتب النادي الثقافي. بدا لي لزاما أن أقدم قراءة تحليلية لهذه القصص حتى أثبت لطرفي الدفاع والهجوم أن قراءة المجموعة القصصية بالكامل قبل تقديم النقد من أساسيات النقد البناء وهو ما ينص عليه التفكير الصحيح وهو أيضا ما ذكرته في تلخيصي لكتاب "كيف تقرأ كتابا " لأستاذ الفلسفة الأمريكي الدكتور موتيمر آدلر.
في هذه القراءة سألتزم بقواعد القراءة التحليلية وهي المستوى الثالث من القراءة وسأحاول الإجابة على الأسئلة الأربعة الرئيسة وهي:
1- ماذا يبحث الكتاب بمجمله؟
2- ماذا قيل بشكل مفصل؟ وكيف قاله؟
3- هل الكتاب صحيح كليا أم جزئيا؟
4- ماذا عن الكتاب؟ ما أهميته؟
وسأحاول أيضا الالتزام بالقواعد 15 التي ذكرتها في تلخيص كتاب كيف تقرأ كتابا والتي يمكن الوصول إليها عبر هذه الوصلة.

  قراءة في كتاب الملح بدرية الاسماعيلي

القسم الأول: ماذا يتكلم الكتب بمجمله

كتاب ملح هو عبارة عن مجموعة من القصص الأدبية القصيرة التي تتحدث عن موقف معين أو شخصية معينة بهدف إيصال حالة إنسانية كما تقول المؤلفة. عدد القصص المضمنة في الكتاب 17 قصة ويبدو أن بعضها قد نشر مسبقا مثل قصة أناناس. ولا توجد مقدمة للكتاب تشرح أهداف الكتاب أو الأشياء التي تريد أن تصل إلى القارئ، ولكن من خلال تصفحي لخبر إطلاق المجموعة وجدت التالي:
" تؤكد الكاتبة أنه مع قلة كتاباتها، إلا أن المجموعة جاءت في وقتها، في سن النضج الفكري والابداعي، وما لم تكن الكتابة مشفوعة بنضج في الفكر فإنها تضيع أدراج الرياح، ولا يصبح لها طعما أو ذوقا أدبيا.
والكاتبة بدرية الاسماعيلية معروفة بجرأتها في طرح أفكارها القصصية، فتدخل ضمن نسيج المسكوت عنه في العلاقات الإنسانية والعاطفية، رغم ذلك فهي تؤكد أن كتاباتها ما تزال توحي ولا تصرِّح، هي تسرد حالات إنسانية، لها آلامها في الحياة، تجربة تدخل ضمن بوح المباح، ثمة أشياء كثيرة لا يمكن البوح بها، لأنها ليست مباحة حتما.
وترى الكاتبة أن كل نص جميل في أي جنس أدبي، هو مفتاح لرفع الذائقة الأدبية، وتوجيه الكاتب لا شعوريا نحو إبداع متميز، هذا هو عرَّافها الحقيقي في الكتابة، لا يوجد كاتب أو كاتبة، بل توجد كتلة هائلة من النصوص المختزنة في الذاكرة، والتي قرأتها الكاتبة، وتغذيها باستمرار بالقراءة. " المصدر.
دعونا الآن ندلف إلى القسم الثاني.

القسم الثاني: ماذا قيل بشكل مفصل؟ وكيف قاله؟

من خلال قراءتي للقصص حاولت تجميع الأفكار المتناثرة في القصص وحاولت الوصول إلى تناسق فكري  للمسائل التي تريد أن تعالجها الكاتبة من خلال السرد والتأثير، وبعد تفكيك النص ومحاولة تجميعه في إطار تحليلي وجدت أن هناك ست قضايا تشغل المؤلفة من خلال طرحها وهي الفراغ العاطفي لدى البنات و العلاقات الزوجية والأسرية، والعلاقات في محيط العمل، والعلاقات في محيط الجيران، والعلاقات بين الفئات المهمشة في المجتمع والعلاقات النافرة من الالتزام الديني. وإليكم التفاصيل.

الفراغ العاطفي لدى البنات

هذه القضية احتلت مكانا بارزا في المجموعة القصصية حيث تطرقت إليها الكاتبة في ست قصص من أصل سبعة عشر قصة، ففي قصة مجنونة تذهب البنت إلى التهور بعدما تكتشف أن حلمها في فارس الأحلام يتبدد بسبب أنه يفكر بهدية لخطيبته، وفي قصة أنبوب لا تهتم البنت بمرضها مقارنة بمحاولتها البائسة لتصحيح عمرها الذي كتب خطأ ليكون أقل بشهرين حتى لا تصبح عانسا ويفوتها القطار، وقصة مجرد عادة كيف أن البنت المتزوجة تعيش فراغ عاطفي قاتل يضطرها لأخذ حبوب منوم كل ليلة بسبب أن زوجها لا يهتم بها. وفي قصة زخارف يبدو أن الفراغ العاطفي تطور حتى صارت البنت المتزوجة تقرأ المجلات والجرائد بحثا عن الفتى الوسيم والجميل غارقة كل اليوم بين التسوق وصالونات التجميل. وفي قصة الملح كيف أن الصديقتين تبحثان عن عشق في شوارع وشواطئ مسقط وللأسف لا تجدان مبتغاهما.

العلاقات الزوجية والأسرية

علاقة المرأة والرجل في إطار الزواج دائما ما يتصف بالرتابة والملل والإهمال العاطفي و الخيانة في كتاب الملح، ففي قصة نسيان تحكي المؤلفة كيف تضطر الزوجة التي تريد طبخ الغداء إلى الذهاب إلى البقالة لأن زوجها نسي شراء الخضار كالعادة، وفي قصة مجرد عادة و قصة زخارف الرجل لا يهتم برغبات زوجته العاطفية والزوجة لا تهتم بزوجها كثيرا ويتطور الأمر في قصة شفاه مطبوعة  إلى تبادل الخيانة بين الزوج والزوجة بعدما تفضحهما الشفاه المطبوعة عليها من قبل عشاقهما.
أما علاقة الأب بابنته فهي تأخذ طابعا يحمل دائما معاني التضييق على البنت والحد من حريتها، ففي قصة استثناء يفاجئ الأب بزيارة لابنته في مقر عملها لترتبك من لبسها وعطرها ودلعها بحيث تضطر لاستبدال كعبها العالي مع أحد زميلاتها وتزيل مساحيق التجميل التي عليها خوفا من أن يكتشف أمرها وتنتهي القصة بأن تعطي البنت أباها مبلغا مالا إضافيا وتقول له: " أبوي إذا بغيت شي خبرني أنا برسلك، ولا تجي الشركة لأن المدير ما يحب هذي الزيارات"

العلاقات في محيط العمل

يبدو أن محيط العمل كان مكانا جيدا للبحث عن زوج المستقبل أو التفريغ العاطفي أو الجنسي في الكتاب الملح، ففي قصة مجنونة تبحث الفتاة عن فارس أحلامها بعدما بادلها أحد زملائها بعبارة "حطي صبعك وراح تحلي الشاي " لتسبح بعدها الفتاة في أحلام اليقظة بحثا عن علاقة تجمعها مع ذلك الشاب، وفي قصة قولون تحكي قصة عانس تعمل وهي تلعن حظها العاثر بين مدير ذي ساعة حمراء وعطر نسائي و زميل همه البحث عن الأثداء طوال اليوم، وتتطور العلاقات في قصة استثناء ليصبح العمل مكانا لتضبيط العلاقات الليلية بين مهندسة تقنية المعلومات التي أصبحت نهديها تدر عليها راتبها نهاية الشهر وزميلها.

العلاقات في محيط الجيران

عندما تجتمع الجارات دائما ما يكون محور حديثهن في قصص الملح هو المغامرات الجنسية، ففي قصة مرآة بمدخل بناية تستخدم الكاتبة المرآة كأداة تكشف أسرار عائلة حامد الذي لا يتذكر إصلاح إزاره إلا أمام المرآة وابنته طالبة في أحد الكليات التي تواعد الشاب العازب الذي يسكن في الطابق الأخير.

لعلاقات بين الفئات المهمشة في المجتمع

جاء ذكر الفئات المهمشة في القصص على ثلاثة مستويات، المستوى الأول  في قصة ذاكرة بحيث جاء الحديث مقتضبا جدا ومتعلق بمحيط القرية فقط حيث تكلمت الكاتبة حول فئة الزط ومعاناتهم، والباعة المتجولين وآلامهم، وفئة النساء من ذوي البشرة السوداء ونظرة الناس إليهم ولم تتكلم الكاتبة عن مغامراتهم الجنسية كعادتها،  أما المستوى الثاني ففي قصة جروح تسرد الكاتبة قصة فتاة حملت من باكستاني ثم سجنت في الرميس ستة أشهر ولكنها عادة إلى القرية لتتزوج من أكثر من مرة وكان زوجها الثاني  رجل سكير من حثالة المجتمع يضربها دائما هي وابنها، وعندما تريد أن تهدهد طفلها تقول له قائلة: " لا تصيح أنت طير من طيور الجنة، الباقي علينا ألّي بتشوينا جهنم"
أما المستوى الثالث فلا نستطيع أن نقول عليه مهمشا ولكن ينظر إليه بنظرة دونية وهي فئة العمال من الهند، الكاتبة لا تستطيع إخفاء إعجابها الشديد بزيت جوز الهند الذي يستخدمه العامل الهندي في قصصها والذي تتلذذ بسرد مغامراته الجنسية في قصتين، الأولى قصة الحلم وتدور حول حلم العامل الهندي البسيط بأن يحصل على فتاة من جانب فندق "شيراتون " بينما يذهبن تلك الفتيات للمراهقين وأصحاب التاكسي الذي ينفقون عليهن ما كسبوه بالنهار، لينتهي الحال بالهندي البسيط بأن يكتفي بالحلم عن الحقيقة، بينما تتطور العلاقة بين العامل الهندي في المزرعة وابنة صاحب المزرعة الشايب لتكون بينهما علاقات جنسية سريعة بين الفينة والفينة الأخرى.

العلاقات النافرة من الالتزام الديني

تطرقت الكاتبة في قصة نشيج إلى علاقة الزوج الذي قرر أن يلتزم دينيا بشكل صارم وزوجته التي تحن إلى الأيام السابقة قبل التزامه الديني حيث فقدت تلك الحياة  كما تقول الكاتبة: " حيث لا تعنيه أية ملابس تلبس أو أي قناة تتابع أو مع أية جارة تخرج، وفي أي وقت تعود"  لينتهي بها المطاف في مرة أن تقول الزوجة: " هذه الطواعة ما خلصتلنا كل يوم محاضرات " وتبكي حظها العاثر في أحد المحاضرات لتثير نوبة بكاء بين الحاضرات لتختمها الكاتبة بقولها :" ينشجن أحلامهن التي لم تجد سوى السقف تصدم به."

 المرحلة الثالثة: نقد الكتاب

 حاولت قدر المستطاع أن أتفهم الكاتبة وأشعر بأحاسيسها أثناء كتابتها للقصص والمشاعر التي تطلقها عند نهاية كل قصة، وبنظرة محايدة ما بين المدافع والمهاجم أجد أن هناك نقاط ضعف ونقاط قوة في القصص في وجهة نظري الشخصية، وهنا سأحاول سردها كل على حدة.

 نقاط الضعف في قصص الملح:

 1- الإغراق في أسلوب الإثارة والمشاعر الجنسية، والكلمات الجنسية الصريحة، وهذا يتنافى مع قيم المجتمع المحافظ، فمن يريد التغيير يجب أن يكون أسلوبه يتناسب مع الحد الأدنى من الاحترام.
 2- الرسالة المبطنة الصريحة إلى أن الفتاة العمانية أصبحت تبحث بسعار عن الملذات الجنسية ضاربة عرض الحائط التعاليم الإسلامية وقيم المجتمع المحافظ، من ناحية أخرى أنا أتفق أنه توجد فئة في المجتمع امتهنت الأسلوب الرخيص لتلبية الرغبات الجنسية ولكن هذا لا يعني مطلقا أن الكل يفعل ذلك.
 3- الكاتبة لم تقدم حلا لمعظم المشاكل التي ذكرتهن، أنا لا أطلب حلا كاملا ولكن لو كان هناك بريق أمل ولو في قصة واحدة لأعطى القارئ العادي دفعة للأمام بأن الخير ما زال موجودا، ولكن كل ما في القصص تكريس مبدأ تحكم الجنس بحياتنا وأنه لا توجد حياة جيدة من غير قصص ومغامرات جنسية ماجنة.

 نقاط القوة في قصص الملح:

 1- الكاتبة لديها توظيف إبداعي في دمج البيئة العمانية بالمغامرات الجنسية، فجملة " أيها التيس ... صباح الخير " تعطي انطباعا جنسيا ممتزجا بحياة القرية الهادئة.
 2- نجحت الكاتبة في الكشف عن مغامرات البنات في العاصمة، حيث أصبحن فاعلات غير مفعول بهن كما تقول أحد المثقفات، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وأن تتكاثف الجهود في الإرشاد للبعد عن الرذيلة ومكافحة أسبابها.
 3- المؤلفة أثارت نقطة مهمة جدا وهي أن محيط العمل له دور كبير في الانفساخ الأخلاقي وخاصة في الشركات الخاصة حيث تضعف المراقبة والمحاسبة.
 4- الكاتبة سلطت الضوء على من ارتكب خطأ في حياته فيجب أن نساعده لا أن نحاسبه طوال حياته، فالبنت قد تخطيء وتحمل من باكستاني ولكن هذا لا يبرر أن تعامل طوال حياتها بالذل والامتهان  ولا أن يعامل ذلك الطفل بذنب والدته. يجب أن يتعامل المجتمع مع هذه الحالات بواقعية وإنسانية مهما كانت الخطأ.
 5- الكاتبة أيضا نجحت في إثارة نقطة حساسة جدا وهي أن الهندي وأي عامل آخر أيضا له مغامراته الجنسية، فيجب على الأب والزوج والأم والزوجة ملاحظة ذلك وعدم التفريط في الالتزام بالحشمة والستر، وهذا ينطبق أيضا على العاملات فكل البشر لديهم هذه الغرائز ولا فرق بين ذكر أو أنثى.
 6- وأخيرا نجحت بشكل مبهر في تسليط الضوء على نقطة مهمة جدا وهي ضرورة أن يحس الأزواج بضرورة الرفق بأزواجهم رفقا يشمل العاطفة والجنس والمشاعر والحديث، فالبنت تبحث عن العاطفة والجنس والولد يبحث عن العاطفة والجنس ولا يعنى مطلقا أنك بزواجك أنك لبيت رغبات شريك حياتك وأنه لا يجب عليك العمل.
 

 رأي أخير

 الرواية تحمل معاني وإيحاءات جنسية بشكل متعمد وفاضح ولا تصلح ولا أنصح بقراءتها لمن هم دون 21 ، وكل نقاط القوة التي ذكرتها إنما هي مجرد محاولة بائسة جدا بأن أكون إيجابيا وأن أرى الأشياء الجيدة فقط.


هناك 5 تعليقات:

  1. أنا أوافقك الرأي في ذلك… جرأة كبيرة من الكاتبة برمجة هذه الأفكار في كتاب ونشره في بلد محافظ كعمان…

    ردحذف
  2. فين وصلة التحميل؟
    خلنا نقرأ وبنحكم, بسكم من طرح وصلات فارغة

    ردحذف
  3. الرابط لا يعمل اخى برجاء مراجعة الروابط
    يعطيك العافية

    ردحذف
  4. اخي العزيز ..أنا فتاة وأرى حاليا ان 99 بالمائه ان لم يكن اقل من الفتيات والشباب اصبح يبحث عن الجنس ولديه رغبات ممارسة العادة السرية لاسباب يجهلها ...ولا يفكر بها وبأن هذه العادة منتشره بشكل رهيب وقد وصلت للاطفال دون سن المراهقة ...من المسؤول عن هالشيء وليش ..صرنا نخاف نكون فهمنا الاسلام غلط واصبحنا نغلفه بالعادات والتقاليد وهذا اكبر خطأ حاصل بكل المجتمعات العربيه

    ردحذف