نظرة أخرى لفضائح االتعليم العالي

كثر الحديث هذه الأيام حول فضائح وزارة التعليم العالي ، بداية عندما نشرت جريدة الشبيبة العمانية رد وزارة التعليم العالي لاستفسارات جهاز الرقابة المالية ، ولتنتهي مع مدونة عمار ليضع الوثائق الرسمية التي أثارت شكوك الرقابة المالية.

المثير في الأمر أن معظم من استفسر عنهم جهاز الرقابة يقعون في خانة واحد وهي ( أنهم غير مؤهلين لما أعطتهم التعليم العالي ) مع استصحاب أنهم في الغالب من كبار المسؤولين في الدولة و تجارها الذين يتحكمون باقتصادها.

تعالت الصيحات في المنتديات بإقالة الوزيرة من منصبها ، و أن الوزارة أصبحت وكر المفسدين في الأرض ، وأن الفقراء دائما تسلب منهم الفرص لتذهب إلى الأغنياء المسيطرين على كل شيء.

من جهة أخرى ثارت جهة أخرى لتعلن أن هذه مؤامرة على وزارة التعليم العالي ، والتي سعت جاهدة لتعطي الغني والفقير ، وأنها كما أحسنت على الغني فهي أحسنت على الفقير مئات المرات.

إنها جلبة عالية الضوضاء و أصوات مبحوحة من الكلام و الحسرة ، مخلوطة بدموع التماسيح على حقوق الفقراء المسحوقة تحت جرافات الأغنياء والتجار.

ولكن إخواني القراء دعونا نحلل ما يحدث بعين العقل والتروي والبصيرة ، دعونا نضع العواطف في صندوق ذهبي لنتفرغ قليلا لدراسة هذه القضية.

أولا وقبل كل شيء ، ظهور هذه الحالات لا يعزى أنها الوحيدة ، و أنه جل من لا يخطئ ، لأنه من المعروف أنه لا يكتشف السارق من أول مرة ، بل يكتشف بعدما يتمادى الأمر وتغلب الطبيعة الخبيثة على النفس.

ولكن لحظة فكر في هذا ، أليس المسؤولين عليهم مسؤوليات كبيرة ، ومن باب التكريم يمكن أن يعطوا بعضا من الاستثناءات في القوانين ، والتي لا تخالف القوانين العمانية التي تلحق دائما بأحقية الوزراء باستثناء من يرونه مناسبا !! أين المخالفة القانونية في ذلك ؟؟ أليس كل شيء تحت منصة القانون؟؟

ثانيا التعليم من مصلحة الوطن ككل ، وخصوصا التعليم بالخارج لما يكسب الشخص ثقافة جديدة تختلط بالثقافة العمانية.

أيهما أفضل أن يخرج ولد الغني الذي ستؤول له الأموال مثقفا متعلما أم ولد الفقير والذي لو تخرج من أرقى الجامعات لن يستطيع أن يفعل ما يفعله الأول؟؟ كل ما يستطيع أن يفعله هو أن يشترى سيارة جديدة و يبني بيتا لا غير .

إني أسمع الآن غمغمات حولي تقول أين ذهبت العدالة ؟ ما ذنب الفقراء و أولادهم في هذا ؟ لماذا دائما الأغنياء يفوزن في كل سباق ؟ أه على مصائب الزمن !!

أعترف أن هذه الأصوات توجع القلب وخصوصا أني أطمح أيضا بأن احصل على بعثة خارجية لإكمال دراستي ، ولكن من أين أصل الخطأ وجذره ؟؟ لماذا دائما نحب أن نتكلم عن النتائج ولا نريد أن نتكلم عن أصل المشكلة؟

أليس الفساد الإداري و المحسوبية و القبلية والحسد و الثقافة الضحلة و المؤامرات في كل مكان هي أسس هذه النتائج؟

ما العيب أن نعطي ابن غني أو ابن امرأة عملت في سلك الحكومة لسنوات كبيرة منحة دراسية ، بينما هناك الآلاف بل قل الملايين التي تذهب في الهواء بين ساعة ودقيقة !!

من هو المستعد منا أن نقول لا للواسطة ، لا للفساد الإداري ، لا للاستغلال للمصالح العامة للمصالح الشخصية . للأسف لا أحد ، بل كل من تتسنى له الفرصة أن يحصل على قطعة من الكعكة لن يتردد لحظة واحدة ولكن يفكر لثانية واحدة بكل المبادئ النبيلة و الغايات الطامحة التي نادى بها في عالم الإنترنت لسنوات طويلة ، بل سيرمي بها وسيقول بنبرة باردة: “ هذا كلام معصرات ! “